للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحميدة، والحكم العظيمة التي لا تدركها عقول الخلق، مع ما في ضمنها من الرحمة التامة، والنعمة السابغة، والتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته.

فكم في أكل آدم من الشجرة التي نُهي عنها، وإخراجه بسببها من الجنة، مِن حكمة بالغة لا تهتدي العقول إلى تفاصيلها.

وكذلك ما قدَّره لسيد ولده من الأمور التي أوصله بها إلى أشرف غاياته، وأوصله بالطرق الخفية فيها إلى أحمد العواقب.

وكذلك فِعله بعباده وأوليائه، يوصل إليهم نعمه، ويسوقهم إلى كمالهم وسعادتهم في الطرق الخفية التي لا يهتدون إلى معرفتها إلا إذا لاحت لهم عواقبها.

وهذا أمر يضيق الجنان عن معرفة تفاصيله، ويحصر اللسان عن التعبير عنه، وأعرف خلق الله به أنبياؤه ورسله، وأعرفهم به خاتمهم وأفضلهم، وأمته في العلم به على مراتبهم ودرجاتهم ومنازلهم من العلم بالله وأسمائه وصفاته، وهو سبحانه قد أحاط علمًا بذلك كله قبل خلق السماوات والأرض، وقدّره وكتبه عنده.

ثم يأمر الملائكة بكتابة ذلك من الكتاب الأول قبل خلق العبد، فيُطابِق حاله وشأنه لما كُتِب في الكتاب، ولما كتبته الملائكة، لا يزيد شيئًا ولا ينقص مما كتبه سبحانه وأثبته عنده، كان في علمه قبل أن يكتبه، ثم كتبه كما في علمه، ثم وُجِدَ كما كتبه. قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: ٧٠].

والله سبحانه قد علم قبل أن يوجد عباده أحوالهم، وما هم عاملون، وما