للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النائم مُنفعِل محض، متأثّر غير مؤثِّر، ولهذا لا يمتنع ممن يؤثِّر فيه، وقولكم: "لم يتجدد له أمر غير زوال النوم" فالمتجدّد زوال النوم المانع من القدرة، فعاد إلى ما كان عليه، كمن أوثق غيره رباطًا ومنعه من الحركة، فإذا حلّ رباطه تجدد زوال المانع.

قالوا: نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وبين حركة المُرْتَعِش والمَفْلُوج، وما ذاك إلا لأن حركته مقدورة له، وحركة المُرْتَعِش غير مقدورة له.

والتحقيق أن حركة النائم ضرورية له غير مكتسَبة، وكما فرقنا في حق المستيقظ بين حركة ارتعاشه وحركة تصفيقه؛ كذلك نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وحركة المستيقظ.

فصل

وأما زائل العقل بجنون أو سكر فليست أفعاله اضطرارية كأفعال المُلْجَأ، ولا اختيارية بمنزلة أفعال العاقل العالم بما يفعله، بل هي قسم آخر بين الاضطرارية والاختيارية، وهي جارية مجرى أفعال الحيوان، وفعل الصبي الذي لا تمييز له، بل لكل واحد من هؤلاء داعيةٌ إلى الفعل يتصورها، وله إرادة يقصد بها، وقدرة ينفذ بها، وإن كان داعيه نوع آخر غير داع العاقل (١) العالم بما يفعله، فلابدّ أن يَتصوّر ما في الفعل من الغرض، ثم يريده ويفعله، فهذه أفعال طبيعية واقعة بالداعي والإرادة والقدرة، والدواعي والإرادات تختلف، ولهذا لا يُكلَّف أحد هؤلاء بالفعل، فأفعاله لا تدخل


(١) "م": "داعية العاقل".