للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ولمّا صار القدرية يحتجون بهذا الحديث على قولهم؛ صار الناس يتأوّلونه على تأويلات يخرجونه بها عن مقتضاه.

فقالت القدرية: كل مولود يولد على الإسلام، والله سبحانه لا يضلّ أحدًا، وإنما أبواه يضلّانه.

قال لهم أهل السنة: أنتم لا تقولون بأول الحديث ولا بآخره.

أمّا أوّله: فإنه لم يولَد أحدٌ عندكم على الإسلام أصلًا، ولا جَعَل الله أحدًا مسلمًا ولا كافرًا عندكم، بل هذا أحدث لنفسه الكفر، وهذا أحدث لنفسه الإسلام، والله لم يخلق واحدًا منهما، ولكن دعاهما إلى الإسلام، وأزاح عللهما، وأعطاهما قدرة مماثلة فيهما تصلح للضدين، ولم يخص المؤمن بسبب يقتضي حصول الإيمان، فإن ذلك عندكم غير مقدور له، ولو كان مقدورًا لكان مَنْع الكافر منه ظلمًا.

هذا قول عامة القدرية، وإن كان أبو الحسين يقول: إنه خَصّ المؤمن بداعي الإيمان.

ويقول: عند الداعي والقدرة يجب وجود الإيمان.

وهذا في الحقيقة موافق لقول أهل السنة.

قالوا: [وأيضًا] فأنتم [تقولون] (٢): إن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر


(١) هذا الفصل كسابقه مستفاد من «درء التعارض» (٨/ ٣٧٧) وما بعدها، وأورده أيضًا في كتابه: «أحكام أهل الذمة» (٢/ ٩٦٩).
(٢) ما بين المعقوفات زيادة من مصدر المؤلف.