للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضحه الجواب الثاني: وهو أنه سبحانه قد يترك ما لو خلقه لكان في خلقه له حكمة، فيتركه لعدم محبته لوجوده، أو لكون وجوده يضاد ما هو أحب إليه، أو لاستلزام وجوده فواتَ محبوب له آخر، وعلى هذا فتكون حكمته في عدم خلقه أرجح من حكمته في خلقه، والجمع بين الضدين مستحيل، فيرجِّح سبحانه أعلى الحكمتين بتفويت أدناهما، وهذا غاية الحكمة، فخلْقه وأمْره مبني على تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بتفويت المرجوحة التي لا يمكن الجمع بينها وبين تلك الراجحة، وعلى دفع المفاسد الخالصة أو الراجحة وإن وُجِدت المفاسد المرجوحة التي لا يمكن الجمع بين عدمها وعدم تلك الراجحة، وخلاف هذا هو خلاف الصواب والحكمة.

الجواب الثالث: أن يقال: غاية ذلك انتفاء الحكمة في هذا النوع من المقدورات، أفيلزم من ذلك انتفاؤها في جميع خلقه وحكمه؟

فهب أن هذا النوع لا حكمة فيه، فمن أين يستلزم ذلك نفي الحكمة والغرض في كل شيء؟ كيف وفيه من الحِكَم والغايات المحمودة ما هو معلوم لأهل البصائر الراسخين في العلم، كما سننبه على اليسير منه إن شاء الله.

الجواب الرابع: أنّا لم نَدّعِ حكمة يجب أو يمكن اطّلاع الخلق على تفاصيلها؛ فإن حكمة الله أعظم وأجل من ذلك، فما المانع من اشتمال ما ذكرتم من الصور وغيرها على حِكَم جمّة ينفرد الله بعلمها، كما قال لملائكته وقد سألوه عن ذلك: {إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، فمن يقول بلزوم الحكمة لأفعاله وأحكامه مطلقًا لا يوجب مشاركة خلقه له في العلم بها.