وأخبر سبحانه أن على بعض القلوب أقفالًا تمنعها من أن تنفتح لدخول الهدى إليها، وقال:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَهْوَ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}[فصلت: ٤٤]، فهذا الوقر والعمى حال بينهم وبين أن يكون لهم هدى وشفاء.
وقال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}[الكهف: ٥٧]، وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصَدَّ عَنِ السَّبِيلِ}[غافر: ٣٧]، قرأها الكوفيون "وَصُدَّ" بضم الصاد حملًا على "زُيِّن".
وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر: ٢٨]، وقال:{وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[البقرة: ٢٥٨]، ومعلوم أنه لم ينفِ هدى البيان والدلالة الذي تقوم به الحجة، فإنه حجته على عباده.
والقدرية تردّ هذا كله إلى المتشابه، وتجعله من متشابه القرآن، وتتأوله على غير تأويله، بل تتأوله بما يقطع ببطلانه وعدم إرادة المتكلم له، كقول بعضهم: المراد من ذلك تسمية الله تعالى العبد مهتديًا وضالًا، فجعلوا هداه وإضلاله مجرد تسمية العبد بذلك.
وهذا مما يُعلم قطعًا أنه لا يصح حمل هذه الآيات عليه، وأنت إذا تأملتها وجدتها لا تحتمل ما ذكروه البتة، وليس في لغة أمة من الأمم، فضلًا عن أفصح اللغات وأكملها؛ هداه بمعنى: سَمَّاه مهتديًا، وأضلّه: سَمَّاه ضالًا، وهل يصح أن يقال: علّمه إذا سمّاه عالمًا، وفهّمه إذا سمّاه فَهِمًا؟