للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيف يصح هذا في مثل قوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٧٢]؟ فهل فهم أحدٌ غير القدرية المحرِّفة للقرآن من هذا: ليس عليك تسميتهم مهتدين، ولكن الله يسمّي من يشاء مهتديًا؟!

وهل فهم أحد قط من قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] لا تسميه مهتديًا، ولكن الله يسميه بهذا الاسم؟! (١).

وهل فهم أحد من قول الداعي: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦]، وقوله: "اللهم اهدني من عندك" (٢)، ونحوه: اللهم سمنّي مهتديًا؟!

وهذا من جناية القدرية على القرآن ومعناه، نظير جناية إخوانهم من الجهمية على نصوص الصفات، وتحريفها عن مواضعها، وفتحوا للزنادقة والملاحدة جنايتهم على نصوص المعاد وتأويلها بتأويلات إن لم تكن أقوى من تأويلاتهم لم تكن دونها، وفتحوا للقرامطة والباطنية تأويل نصوص الأمر والنهي بنحو تأويلاتهم.

فتأويل التحريف الذي سلكته (٣) هذه الطوائف أصل فساد الدنيا والدين، وخراب العالم، وسنفرد إن شاء الله كتابًا نذكر فيه جناية المتأولين على الدنيا والدين (٤).


(١) من قوله: "وهل فهم أحد قط" إلى هنا ساقط من "م".
(٢) هو جزء من حديث أخرجه الطبراني في "الكبير" (٩٤٠)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (١٣٣) من حديث أنس بن مالك، وإسناده تالف، فيه نافع السلمي متروك الحديث كما في "الميزان" (١/ ٥٠١).
(٣) "د": "سلسلته".
(٤) كأنه يشير إلى ما ضمّنه كتابه "الصواعق المرسلة" من مباحث في الموضوع، كما سلف الكلام عليه في مقدمة التحقيق.