للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرصد بينهم عيونًا له، فالقول قول قتادة وابن إسحاق، والله أعلم.

فإن قيل: انبعاثهم إلى طاعته طاعة له، فكيف يكرهها؟ وإذا كان سبحانه يكرهها، فهو يحب ضدّها لا محالة؛ إذ كراهة أحد الضدّين تستلزم محبة الضدّ الآخر، فيكون قعودهم محبوبًا له، فكيف يعاقبهم عليه؟

قيل: هذا سؤال له شأن، وهو من أكبر الأسئلة في هذا الباب، وأجوبة الطوائف عنه على حسب أصولهم.

فالجبرية تجيب عنه بأن أفعاله لا تُعَلّل بالحِكَم والمصالح، وكل ممكن فهو جائز عليه، ويجوز أن يعذبهم على فعل ما يحبّه ويرضاه، وترك ما يبغضه ويسخطه، والجميع بالنسبة إليه سواء، وهذه الفرقة قد سدّت على أنفسها باب الحكمة والتعليل.

والقدرية تجيب عنه على أصولها بأنه سبحانه لم يثبّطهم حقيقة ولم يمنعهم، بل هم منعوا أنفسهم، وثبّطوها عن الخروج، وفعلوا ما لا يريد، ولما كان في خروجهم المفسدة التي ذكرها الله سبحانه ألقى في نفوسهم كراهة الخروج مع رسوله.

قالوا: وجعل سبحانه إلقاء كراهة الانبعاث في قلوبهم كراهة منه لذلك، من غير أن يكره هو سبحانه انبعاثهم؛ فإنه أمرهم به، قالوا: وكيف يأمرهم بما يكرهه؟

ولا يخفى على من نوّر الله بصيرته فساد هذين الجوابين، وبُعدهما من دلالة القرآن.

فالجواب الصحيح: أنه سبحانه أمرهم بالخروج طاعة له ولأمره،