للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التسبيب وقيامه به ووقوعه بإرادته= لا ينافي إضافته إلى الرب تعالى خلقًا ومشيئة وقدرًا.

ونظيره قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: ١١]، وقال لنوح: {احْمِلْ (١) فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: ٤٠]، فالرب تعالى هو الذي حملهم فيها بإذنه وأمره ومشيئته، ونوح حملهم بفعله ومباشرته.

فصل

وأما قول الجاحظ: «إن العبد يحدث أفعاله الاختيارية من غير إرادة منه، بل بمجرد القدرة والداعي» (٢)، فإن أراد نفي إرادة العبد وجحد هذه الصفة عنه فمكابرة لا تُنكَر من طوائف المتكلمين، فهم أكثر الناس مكابرة وجحدًا للمعلوم بالضرورة، فلا أرخص من ذلك عندهم.

وإن أراد أن الإرادة أمر عدمي وهو كونه غير مغلوب ولا مُلجَأ، فيقال: هذا العدم من لوازم الإرادة لا أنه نفسها، وكون الإرادة أمرًا عدميًا مكابرة أخرى، وهي بمنزلة قول القائل: القدرة أمر عدمي لأنها بمعنى عدم العجز، والكلام عدمي لأنه عدم الخرس، والسمع والبصر عدمي لأنهما عدم الصمم والعمى.

وأما قوله: «إن الفعل يقع بمجرد القدرة وعلم الفاعل بما فيه من الملاءمة» فمكابرة ثالثة؛ فإن العبد يجد في نفسه قدرة على الفعل، وعلمًا


(١) في الأصول: «فاحمل».
(٢) تقدمت حكاية قوله قريبًا في (٦٩) وفيه اشتراطه القدرة والعلم، لا الداعي، وسيأتي تأكيده.