للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإحداث العبد لها بمعنى أنها قامت به وحدثت بإرادته وقدرته، وكل من الإحداثين مستلزم للآخر، ولكن جهة الإضافة مختلفة، فما أحدثه الربّ تعالى من ذلك فهو مباين له، قائم بالمخلوق، مفعول له لا فِعْل، وما أحدثه العبد فهو فعل له قائم به، يعود إليه حكمه، ويُشتق له منه اسمه.

وقد أضاف الله سبحانه كثيرًا من الحوادث إليه، وأضافها إلى بعض مخلوقاته، كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: ٤٢]، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١]، وقال: {تَوَفَّتْهُ رُسْلُنَا} [الأنعام: ٦١]، وقال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: ١٢]، وقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: ٢٧]، وقال: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [النساء: ١١٣]، وقال: {لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل: ١٠٢]، وقال: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [النحل: ١١٣]، و {أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} [الحجر: ٧٣]، وقال: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: ٤٠]، {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٤٢] وهذا كثير.

فأضاف هذه الأفعال إلى نفسه؛ إذ هي واقعة بخلقه ومشيئته وقضائه، وأضافها إلى أسبابها؛ إذ هو الذي جعلها أسبابًا لحصولها، فلا تنافي بين الإضافتين، ولا تناقض بين النسبتين (١).

وإذا كان كذلك تبين أن إضافة الفعل الاختياري إلى الحيوان بطريق


(١) «ج»: «السببين»، وأهملها في «م»، وجوّدها في «د».