لا في محل من غير سبب اقتضى حدوثها، يكون مريدًا بها للمخلوقات. فارتكبتم ثلاث محالات: حدوث حادث بلا إرادة من الفاعل، وحدوث حادث بلا سبب حادث، وقيام الصفة بنفسها لا في محل.
وادعيتم مع ذلك أنكم أرباب المعقول والنظر، فأي معقول أفسد من هذا، وأي نظر أعمى منه؟!
وإن شئت قلت: كون العبد مريدًا أمر ممكن، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجِّح تام، والمرجِّح التام إما من العبد، وإما من مخلوق آخر، وإما من الله سبحانه، والقسمان الأولان باطلان، فتعين الثالث كما تقدم.
فهذه الحجة لا يمكن دفعها، ولا يمكن دفع العلم الضروري باستناد أفعالنا الاختيارية إلى إرادتنا وقدرتنا، وأنا إذا أردنا الحركة يمنة لم تقع يسرة وبالعكس، فهذه الحجة لا يمكن دفعها، والجمع بين الحجتين هو الحق.
فإن الله سبحانه خالق إرادة العبد وقدرته وجاعلهما سببًا لإحداثه الفعل، فالعبد مُحْدِث لفعله بإرادته واختياره وقدرته حقيقة، والله خالق ذلك له حقيقة، وخالق السبب خالق للمسبَّب، ولو لم يشأ سبحانه وجود فعله لما خلق له السبب الموجِد له.
فقال الفريقان للسني: كيف يكون الربّ تعالى مُحْدِثًا لها والعبد مُحْدِثًا لها أيضًا؟
قال السني: إحداث الله لها بمعنى أنه خلقها منفصلة عنه قائمة بمحلها وهو العبد، فجعل العبد فاعلًا لها بما أحدث فيه من القدرة والمشيئة،