للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في صفة من صفاته، وتلك الصفة تسمّى كسبًا، وهي متعلَّق الأمر والنهي والثواب والعقاب، فإن الحركة التي هي طاعة، والحركة التي هي معصية، قد اشتركتا في نفس الحركة، وامتازت إحداهما عن الأخرى بالطاعة والمعصية، فذات الحركة ووجودها واقع بقدرة الله وإيجاده، وكونها طاعة ومعصية واقع بقدرة العبد وتأثيره.

وهذا وإن كان أقرب إلى الصواب، فالقائل به لم يوفّه حقه؛ فإن كونها طاعة ومعصية هو موافقة الأمر ومخالفته، فهذه الموافقة والمخالفة إما أن تكون فعلًا للعبد تتعلق بقدرته واختياره، أو لا تكون كذلك، فإن كان الأول ثبت أن فعل العبد واقع بقدرته واختياره، وإن كان الثاني لم يكن للعبد اختيار ولا فعل ولا كسب البتَّة، فلم يثبت هؤلاء من الكسب أمرًا معقولًا.

ولهذا يقال: محالات الكلام ثلاثة: كسب الأشعري، وأحوال أبي هاشم، وطفرة النظّام (١).

ولما رأى طائفة فساد هذا قالوا: المؤثّر في وجود الفعل هو قدرة الربِّ على سبيل الاستقلال، وقدرة العبد على سبيل الاستقلال، قالوا: ولا يمتنع اجتماع المؤثّرين على أثر واحد.

ولم يستوحش هؤلاء من القول بوقوع مفعول بين فاعلين، ولا مقدور بين قادرين، قالوا: كما لم يمتنع وقوع معلوم بين عالمَيْن، ومراد بين مريدَيْن، ومحبوب بين مُحبَّين، ومكروه بين كارِهَيْن (٢).


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/ ١٢٨).
(٢) "د"، ولحق بحاشية "م" دون تصحيح: "محبوبين" و"مكروهين" بصيغة المفعول، ورسمهما في "ج" بمثل ذلك، ثم ضرب عليهما وكتب الصواب داخل المتن.