للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمواضع التخصيص (١) ومواقع (٢) الفضل هي التي يقدح بها نفاة الحكمة فيها، وهي من أدل شيء على كمال حكمته سبحانه، ووَضْعه للفضل مواضعه، وجَعْله عند أهله الذين هم أحق به، وأولى من غيرهم، وهو الذي جعلهم كذلك بحكمته وعلمه وعزته وملكه، فتبارك الله رب العالمين وأحكم الحاكمين.

ولا يجب بل لا يمكن المشاركة في حكمته، بل ما حصل للخلائق كلهم من العلم بها كنقرة عصفور من البحر المحيط، وأي نقص في دوام حكمته شيئًا بعد شيء، كما تدوم إرادته وكلامه وأفعاله وإحسانه وجوده وإنعامه، وهل الكمال إلا في هذا التسلسل، فماذا نَفَّرَ النفاة منه! أنفَّرَهم أن يقال: لَمْ يزل ولا يزال حيًّا، عليمًا، قديرًا، حكيمًا، متكلمًا، محسنًا، جوادًا، ملكًا، موصوفًا بكل كمال، غنيًا عن كلّ ما سواه، لا تنفد كلماته، ولا تتناهى حكمته، ولا تعجز قدرته، ولا يبيد ملكه، ولا تنقطع إرادته ومشيئته، بل لم يزل ولا يزال له الخلق والأمر، والحكمة والحكم، وهل النقص إلا سلب ذلك عنه، والله الموفق بفضله وإعانته.

الجواب السادس: أن الرب تبارك وتعالى إذا خلق شيئًا فلا بُدَّ من وجود لوازمه، ولا بدَّ من عدم أضداده، فوجود الملزوم بدون لازمه محال، ووجود الضد مع ضده ممتنع، والمحال الممتنع ليس بشيء، ولا يتصور العقل وجوده في الخارج، وإذا كان هذا التسلسل الجائز من لوازم خلقه وحكمته لم يكن في القول به محذور، بل كان المحذور في نفيه.


(١) «د» «م»: «التحصيل» تحريف، والمثبت أشبه بالسياق والمعنى.
(٢) «م»: «وموانع» تحريف.