للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب السابع عشر

في الكَسْب والجَبْر ومعناهما لغة واصطلاحًا، وإطلاقهما نفيًا وإثباتًا، وما دلّ عليه السمع والعقل من ذلك

أما الكَسْب فأصله في اللغة: الجَمْع، قاله الجوهري، قال: "وهو طلب الرزق، يقال: كسبتُ شيئًا واكتسبتُه بمعنى، وكسبتُ أهلي خيرًا، وكسبتُ الرجلَ مالًا فكَسَبَه، وهذا مما جاء على فَعَلْتُه فَفَعَل، والكواسب: الجوارح، وتكسَّب: تكلَّفَ الكَسْب" (١)، انتهى.

والكسب قد وقع في القرآن على ثلاثة أوجه:

أحدها: عقد القلب وعزمه، كقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، أي: بما عزمتُم عليه وقصدتموه، وقال الزَّجّاج: "أي: يؤاخذكم بعزمكم على أن لا تبروا، وأن لا تتقوا، وأن تعتلّوا في ذلك بأنكم حلفتم" (٢)، وكأنه التفت إلى لفظ المؤاخذة، وأنها تقتضي تعذيبًا، فجعل كسب قلوبهم عزمهم على ترك البرّ والتقوى لمكان اليمين (٣).

والقول الأول أصح، وهو قول جمهور أهل التفسير؛ فإنه قابل به لغو اليمين، وهو أن لا يقصد اليمين، فكَسْب القلب المقابل للغو اليمين هو


(١) "الصحاح" (١/ ٢١٢).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" (١/ ٢٩٩).
(٣) "د": "النهي".