أنت الغفور الرحيم" (١)، فاستفتح الخبر عن نفسه بأداة التوكيد التي تقتضي تقرير ما بعدها، ثم ثنّى بالإخبار عن ظلمه لنفسه، ثم وصف ذلك الظلم بأنه ظلم كثير، ثم طلب من ربه أن يغفر له مغفرة من عنده، أي لا يبلغها عمله ولا سعيه، بل هي محض منّته وإحسانه، وأكبر من عمله، فإذا كان هذا شأن مَنْ وُزِن بالأمة فرجح بهم؛ فكيف بمن دونه؟!
وأيضًا فإنّ حق الله على عبده أن يطيعه ولا يعصيه، ويذكره ولا ينساه، ويشكره ولا يكفره، فتكون هذه حاله دائمًا لا يفتر عنها، ولا يفارقها طرفة عين، ولا نفَسًا واحدًا، ومعلوم أن الغفلة والذهول والاشتغال أحيانًا بغير ذلك واقع ولا بدّ، وهو سبب التعذيب الذي هو الألم، وليس في الحديث أنه لو عذبهم في النار سرمدًا أبدًا لكان غير ظالم لهم، والأعمّ لا يستلزم الأخص، بل لو آلم من غفل عن ذكره وشكره وعبادته، وأوصل إليه عذابًا بحسبه لكان غير ظالم له.
وعلى كل حال فكمال حقوقه على أهل السماوات والأرض يستلزم وجوب كمال عبوديته التي تقتضيها عظمة المنعم وكثرة نعمه ودوامها، وذلك غير مقدور، والمقدور منه لابد أن يعرض فيه من النقص ما يناسب نقص المخلوق، فلا يسعه إلا المغفرة والرحمة.
* * * *
(١) أخرجه البخاري (٨٣٤)، ومسلم (٢٧٠٥) من حديث أبي بكر الصديق.