للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المباين له، وكلاهما مقدور له. وقال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: ٤]، فتسوية البنان فعله، واستواؤها مفعوله.

ومنكرو الأفعال يقولون: الربّ تعالى يقدر على المفعولات المباينة له، ولا يقدر على فعل يقوم بنفسه، لا لازم (١) ولا متعدّ.

وأهل السنة يقولون: الربّ تعالى يقدر على هذا وعلى هذا، وهو سبحانه له الخلق والأمر، فالجهمية أنكرت خلقه وأمره، وقالوا: خلقه نفس مخلوقه، وأمره مخلوق من مخلوقاته، فلا خلق ولا أمر. ومن أثبت له الكلام القائم بذاته ونفى أن يكون له فعل؛ فقد أثبت الأمر دون الخلق، ولم يقل أحد بقيام أفعاله به، ونفي صفة الكلام عنه، فيثبت الأمر دون الخلق. وأهل السنة يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الخلق والأمر، فالخلق فعله، والأمر قوله، وهو سبحانه يقول ويفعل.

وأجابت طائفة أخرى من أهل السنة والحديث عن هذا بالتزام التسلسل، وقالوا: ليس في العقل ولا في الشرع ما ينفي دوام فاعلية الربّ تعالى، وتعاقب أفعاله شيئًا قبل شيء إلى غير غاية، كما تتعاقب شيئًا بعد شيء إلى غير غاية، فلم يزل فعّالًا.

قالوا: والفعل صفة كمال، ومن يفعل أكمل ممن لا يفعل.

قالوا: ولا يقتضي صريح العقل إلا هذا، ومن زعم أن الفعل كان ممتنعًا عليه سبحانه في مُدَد غير مقدّرة (٢) لا نهاية لها، ولا يقدر أن يفعل، ثم انقلب


(١) «د» «م»: «ولا لازم»، والوجه من «ج».
(٢) «د» «م»: «مدد مقدرة»، والتصويب من «ج».