للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له من فوات تلك المعاصي، وفوات هذه المحبوبات.

واعلم أن الحمد هو الأصل الجامع لذلك كله، فهو عقد نظام الخلق والأمر، والربّ تعالى له الحمد كله بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه، فما خَلَق شيئًا ولا حَكَم بشيء إلا وله فيه الحمد، فوصَل حمده إلى حيث وصَل خَلْقه وأَمْره حمدًا حقيقيًا، يتضمن محبته والرضا به وعنه، والثناء عليه، والإقرار بحكمته البالغة في كل ما خلقه وأمر به.

فتعطيل حكمته عين تعطيل حمده كما تقدم بيانه، فكما أنه لا يكون إلا حميدًا؛ فلا يكون إلا حكيمًا، فحمده وحكمته كعلمه وقدرته وحياته من لوازم ذاته، ولا يجوز تعطيل شيء من صفاته وأسمائه عن مقتضياتها وآثارها؛ فإن ذلك يستلزم النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه وعظمته.

يوضحه الوجه الخامس والعشرون: أنه كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح= فمنها أن يعيذ وينصر ويغيث، فكما يحب أن يلوذ به اللائذون يحب أن يعوذ به العائذون، وكمال الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم ويعوذوا بهم، كما قال أحمد بن حسين الكندي في ممدوحه:

يا من ألوذ به فيما أؤمّلُهُ ... ومن أعوذ به مما أحاذرُهُ

لا يجبر الناسُ عظمًا أنت كاسرُهُ ... ولا يَهِيضون عظمًا أنت جابرُهُ (١)

ولو قال ذلك في ربّه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله.

والمقصود أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه، وأن يعوذوا به،


(١) «ديوان المتنبي بشرح الواحدي» (٦٦).