للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقل للعيون العُمْيِ: للشمس أعينٌ ... سواك تراها في مغيب ومطلعِ

وسامح نفوسًا لم تؤهل لحبهم ... فما يحسن التخصيص في كل موضعِ (١)

فإنْ أغضب هذا المخلوق ربّه فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه، وذلك الرضا أعظم من ذلك الغضب، وإن أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات فإنه سبحانه أشدّ فرحًا بتوبة العاصي (٢) من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه إذا وجدها في المَفَاوز المهلكات، وإن أغضبه ما جرى على أنبيائه ورسله من هذا العدو فقد سَرّه وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه ومعصيته ومراغمته وكبته وغيظه، وهذا الرضا أعظم عنده وأبرّ لديه من فوات ذلك المكروه المستلزِم لفوات هذا المَرْضي المحبوب، وإنْ أسخطه أكْلُ آدم من الشجرة فقد أرضاه توبته وإنابته وخضوعه وتذلّله بين يديه وانكساره له، وإنْ أغضبه إخراجُ أعدائه لرسوله من حرمه وبلدته ذلك الخروج فقد أرضاه أعظم الرضا دخوله إليها ذلك الدخول، وإنْ أسخطه قتْلُهُم أولياءَه وأحبابَه وتمزيقُ لحومهم وإراقةُ دمائهم فقد أرضاه نيلهم الحياة التي لا أطيب منها ولا أنعم ولا ألذ في قربه وجواره، وإن أسخطه معاصي عباده وذنوبُهُم فقد أرضاه شهود ملائكته وأنبيائه ورسله وأوليائه سعة مغفرته وعفوه وبرّه وكرمه وجوده، والثناء عليه بذلك، وحمده وتمجيده بهذه (٣) الأوصاف التي حمْده بها والثناء عليه بها أحب إليه وأرضى


(١) أنشدهما المؤلف بألفاظ متقاربة في مواضع من كتبه، منها: «الصواعق المرسلة» (٣/ ١٢٠٠)، وضمن عدة أبيات بقافية مختلفة في «مدارج السالكين» (٤/ ٢٨٢٧).
(٢) «د»: «عبده».
(٣) «م»: «فهذه».