للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى يتضاءل في جنبه ما حصل به من مكروهه.

والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصّل أحب الأمرين إليه باحتمال المكروه الذي يبغضه ويسخطه إذا كان طريقًا إلى حصول ذلك المحبوب، ووجود الملزوم بدون لازمه محال.

فإن يكن قد حصل بعدو الله إبليس من الشرور والمعاصي ما حصل فكم حصل بسبب وجوده ووجود جنوده من طاعة هي أحب إلى الله، وأرضى له من جهاد في سبيله، ومخالفة هوى النفس وشهوتها له، وتحمّل المشاق والمكاره في محبته ومرضاته، وأحب شيء للحبيب أن يرى مُحِبّه يتحمل لأجله من الأذى والوصب ما يصدِّق محبَّتَه:

من أجلك قد جعلت خدي أرضًا ... للشامت والحسود حتى ترضى (١)

وفي أثر إلهي: «بِعَيْني (٢)، ما يتحمّل المتحملون من أجلي» (٣).

فلله ما أحب إليه احتمال محبيه أذى أعدائه لهم فيه وفي مرضاته، وما أنفع ذلك الأذى لهم، وما أحمدهم لعاقبته، وماذا ينالون به من كرامة حبيبهم وقربه، وقرة عيونهم به، ولكن حرام على منكري محبّة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائحة، أو يدخلوا من هذا الباب، أو يذوقوا من هذا الشراب.


(١) تمثّل به ابن الجوزي في «المدهش» (١٨١)، والمؤلف في «المدارج» (٣/ ٢٢٢٢).
(٢) هكذا هي مجوّدة في «م»، وفي مصادر الرواية، ووقعت في «ط»: «بغيتي».
(٣) جزء من أثر طويل يُروى من طريق وهب بن منبه وغيره عن بعض كتب الأوّلين، رواه أبو نعيم في «الحلية» (٤/ ٦٠) (٩/ ٢٥٥) (١٠/ ٨٠)، وابن أبي الدنيا في «حسن الظن بالله» (٩٠)، وأورده المؤلف في «عدة الصابرين» (٨١) وغيره.