للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث الصحيح: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون فيغفر لهم» (١).

فهو سبحانه لكمال محبته لأسمائه وصفاته اقتضى حمده وحكمته أن يخلق خلقًا يُظهر فيهم أحكامها وآثارها، فلمحبته للعفو خَلَق مَنْ يحسن العفو عنه، ولمحبته للمغفرة خَلَق مَنْ يغفر له، ويحلم عنه، ويصبر عليه ولا يعاجله، بل يكون تحت (٢) أمانه وإمهاله، ولمحبته لعدله وحكمته خَلَق مَنْ يظهر فيهم عدله وحكمته، ولمحبته للجود والإحسان والبر خَلَق مَنْ يعامله بالإساءة والعصيان وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والإحسان، فلولا خَلْق مَن تجري على أيديهم أنواع المعاصي والمخالفات لفاتت هذه الحِكَم والمصالح، وأضعافها وأضعاف أضعافها.

فتبارك الله رب العالمين، وأحكم الحاكمين، ذو الحكمة البالغة، والنعم السابغة، الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته، وله في كل شيء حكمة باهرة، كما أن له فيه قدرة قاهرة.

وهذا باب إنما ذكرنا منه قطرة من بحر، وإلا فعقول البشر أعجز وأضعف وأقصر من أن تحيط بكمال حكمته في شيء من خلقه، فكم حصل بسبب هذا المخلوق البغيض للرب المسخوط له من محبوب له تبارك


(١) تقدم تخريجه في (١/ ٣٧٨).
(٢) مهملة في الأصول، وفي «ط»: «يحب».