للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطوله وقصره.

وصرّحتَ بأنه يجوز عليه أن يعذب أشدّ العذاب من (١) لم يعصه طرفة عين، وأن حكمته ورحمته لا تمنع ذلك، بل هو جائز عليه، ولولا خبره عن نفسه بأنه لا يفعل ذلك لم تنزّهه عنه.

وقلتَ: إنّ تكليفه عبادَه بما كلفهم به بمنزلة تكليف الأعمى للكتابة، والزَّمِن للطيران!

فبغّضتَ الربَّ إلى من دعوته إلى هذا الاعتقاد، ونفّرتَه عنه، وزعمتَ أنك تقرر بذلك توحيده، وقد قلعتَ شجرة التوحيد من أصلها.

وأما منافاة الجَبْر للشرائع فأمر ظاهر لا خفاء به؛ فإنّ مبنى الشرائع على الأمر والنهي، وأمر الآمر لغيره بفعل نفسه لا بفعل المأمور، ونهيه عن فعله لا فعل المنهي= عبثٌ ظاهر؛ فإن متعلّق الأمر والنهي فعل العبد وطاعته ومعصيته، فمن لا فعل له كيف يتصور أن يوصف بطاعة أو معصية؟!

وإذا ارتفعت حقيقة الطاعة والمعصية ارتفعت حقيقة الثواب والعقاب، وكان ما يفعله الله بعباده يوم القيامة من النعيم والعذاب أحكامًا جارية عليهم بمحض المشيئة والقدرة، لا أنها بأسباب طاعاتهم ومعاصيهم.

بل ههنا أمر آخر، وهو أن الجَبْر منافٍ للخَلْق كما هو مناف للأمر؛ فإن الله سبحانه له الخَلْق والأمر، وما قامت السماوات والأرض إلا بعدله، فالخَلْق قام بعدله، وبعدله ظهر، كما أن الأمر بعدله، وبعدله وُجِد، فالعدل سبب وجود الخَلْق، والأمر غايته، فهو علّته الفاعلية والغائية، والجبر لا


(١) في الأصول: "لمن"، والصواب المثبت.