للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكونه أكبر من كل شيء في ذاته وأوصافه وأفعاله ينفي ذلك، فمن (١) رسخت معرفته في معنى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسافر قلبه في منازلها، وتلقى معانيها من مشكاة النبوة، لا من مشكاة الفلسفة والكلام الباطل وآراء المتكلمين.

فهذا أصل يجب التمسك به في هذا المقام، وأن يُعرف أن عقول العالمين ومعارفهم وعلومهم وحكمهم تقصر عن الإحاطة بتفاصيل حكمة الرب تعالى في أصغر مخلوقاته.

الأصل الثاني: أنه سبحانه حيّ حقيقة، وحياته أكمل الحياة وأتمها، وهي حياة تستلزم جميع صفات الكمال، ونفي أضدادها من جميع الوجوه، ومن لوازم الحياة الفعل الاختياري؛ فإن كل حيّ فعّال، وصدور الفعل عن الحيّ بحسب كمال حياته ونقصها، فكل مَن كانت حياته أكمل من غيره كان فعله أقوى وأكمل، وكذلك قدرته، ولهذا كان الربُّ تعالى على كل شيء قدير، وهو فعَّال لما يريد.

وقد ذكر البخاري في كتاب «خلق الأفعال» عن نعيم بن حماد أنه قال: «الحيُّ هو الفعّال، وكل حيّ فعّال» (٢).

فلا فرق بين الحيِّ والميت إلا بالفعل والشعور.

وإذا كانت الحياة مستلزِمة للفعل ــ وهو الأصل الثالث ــ فالفعل الذي لا يعقل الناس سواه هو الفعل الاختياري الإرادي، الحاصل بقدرة الفاعل


(١) كذا في الأصول بشرط دون جواب، فلعلها: «فيمن»، وفي «ط»: «لمن».
(٢) «خلق أفعال العباد» (٢/ ١٩٢) بمعناه، ولم أقف على نص كلام نعيم، وعزاه المصنف في موضع سابق إلى الدارمي وغيره، انظر: (١/ ١٦).