وأجابت طائفة أخرى بالجواب المركّب على جميع التقادير، فقالوا: تسلسل الآثار إما أن يكون ممكنًا أو ممتنعًا، فإن كان ممكنًا فلا محذور في التزامه، وإن كان ممتنعًا لم يلزم من بطلانه بطلان الفعل الذي لا يكون المخلوق إلا به؛ فإنا نعلم أن المفعول المنفصل لا يكون إلا بفعل، والمخلوق لا يكون إلا بخلق، قبل العلم بجواز التسلسل وبطلانه.
ولهذا كثير من الطوائف يقولون: الخلق غير المخلوق، والفعل غير المفعول، مع قولهم ببطلان التسلسل، مثل كثير من أتباع الأئمة الأربعة، وكثير من أهل الحديث والصوفية والمتكلمين.
ثم من هؤلاء من يقول: الخلق ـ الذي هو التكوين ـ صفة قديمة، كالإرادة.
ومنهم من يقول: بل هي حادثة بعد أن لم تكن، كالكلام والإرادة، وهي قائمة بذاته سبحانه، وهم الكرّامية ومن وافقهم، أثبتوا حدوثها وقيامها بذاته، وأبطلوا دوامها؛ فرارًا من القول بحوادث لا أول لها، وكلا الفريقين لا يقول: إن ذلك التكوين والخلق مخلوق، بل يقول: إن المخلوق وُجِد به كما وُجِد بالقدرة.
قالوا: فإذا كان القول بالتسلسل لازمًا لكل من قال: إن الربّ تعالى لم يزل قادرًا على الخلق، يمكنه أن يفعل بلا ممانع= فهو لازم لك، كما ألزمتَه لخصومك، فلا ينفردون بجوابه دونك. وأما ما ألزموك به من وجود مفعول بلا فعل، ومخلوق بلا خلق، فهو لازم لك وحدك.
قالوا: ونحن إنما قلنا: الفعل صفة قائمة به سبحانه، وهو قادر عليه لا يمنعه منه مانع، والفعل القائم به ليس هو المخلوق المنفصل عنه، فلا يلزم