للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أنا ملتزمون لكل ما لزم من كونه حيًّا عليمًا قديرًا سميعًا بصيرًا متكلّمًا آمرًا ناهيًا، فوق عرشه، بائن من خلقه، يراه المؤمنون بأبصارهم عيانًا في الجنة، وفي عرصات القيامة، ويكلمهم ويكلمونه، فإن هذا حق، ولازم الحق مثله، وما لم يلزم (١) من إثبات ذلك من الباطل الذي تتخيله خفافيش العقول فنحن له منكرون، وعن القول به عادلون، وبالله التوفيق.

قال القدري: كون العبد موجِدًا لأفعاله وهو الفاعل لها من أجلى الضروريات والبديهيات؛ فإن كل عاقل يعلم من نفسه أنه فاعل (٢) لما يصدر عنه من الأفعال الواقعة على وفق قصده وداعيته، بخلاف حركة المرتعش والمجرور على وجهه، وهذا لا يتمارى فيه العاقل، ولا يقبل التشكيك والقدح في ذلك، والاستدلال على خلافه استدلال على بطلان ما عُلِمت صحته بالضرورة، فلا يكون مقبولًا.

قال السني: قد أجابك خصومك من الجبرية عن هذا بأن العاقل يعلم من نفسه وقوع الفعل مقارنًا لقدرته، ولا يعلم من نفسه أنه واقع بقدرته، والفرق بين الأمرين ظاهر، ولو كان وقوعه بقدرته هو المعلوم بالضرورة لما خالف فيه جمع عظيم من العقلاء، يستحيل عليهم الإطباق على جحد الضروريات.

وهذا الجواب مما لا يشفي عليلًا، ولا يروي غليلًا، وهو عبارات لا حاصل تحتها؛ فإن كل عاقل يجد من نفسه وقوع الفعل بقدرته وإرادته وداعيته، وأن ذلك هو المؤثِّر في الفعل، ويجد تفرقة ضرورية بين مقارنة


(١) تحتمل في «د» و «م»: «لم يلتزم»، مهملة، وجوّدها في «ج» بما تراه في المتن.
(٢) من قوله: «لها من أجلى» إلى هنا ساقط من «م».