للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هذا لازم على من أثبت الكَسْب منكم، فنقول له في الكَسْب ما قاله في أصل الفعل سواء، ومن لم يثبت الكَسْب لزمه ذلك في فعل الربّ كما تقدم.

فإن قلتم: الفرق أن صدور الفعل عن القادر موقوف عن الإرادة، وإرادة العبد مُحْدَثة، فافتقرت إلى مُحْدِث، فإن كان ذلك المُحْدِث هو العبد لزم التسلسل، فوجب انتهاء جميع الإرادات إلى إرادة ضرورية يخلقها الله في القلب ابتداء، ويلزم منه الجَبْر، بخلاف إرادة الرب تعالى؛ فإنها قديمة مستغنية عن إرادة أخرى، فلا تسلسل.

قيل لكم: لا يجدي هذا عليكم في دفع الإلزام؛ فإن الإرادة القديمة إما أن يصح معها الفعل بدلًا عن الترك، وبالعكس، أو لا، فإن كان الأول فلابد لأحد الطرفين من مرجِّح، والكلام في ذلك المرجِّح كالكلام في الأول، ويلزم التسلسل، وإن كان الثاني لزم الجَبْر.

قال الجبري: معتمدي في الجَبْر على حرف لا خلاص لكم منه إلا بالتزام الجَبْر، وهو أن العبد لو كان فاعلًا لفعله لكان مُحْدِثًا له، ولو كان مُحْدِثًا له لكان خالقًا له، والشرع والعقل ينفيه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: ٣].

قال السني: قد دلّ العقل والشرع والحسّ على أن العبد فاعل لفعله، وأنه يستحق عليه الذم واللعن، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى حمارًا قد وُسِم في وجهه: فقال: "ألم أنْهَ عن هذا؟! لعن الله من فعل هذا" (١).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٠٢٨٨) ـ واللفظ له ـ، ومسلم (٢١١٧) من حديث جابر.