للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الجبري: الفعل عند المرجِّح التام واجب، والمرجِّح ليس من العبد، وإلا لزم التسلسل، فهو من الربّ تعالى، فإذا وجب الفعل عنده فهو الجَبْر بعينه.

قال السني: قد تقدم هذا الدليل وبيان ما فيه، وحيث أعدتموه بهذه العبارة الوجيزة المختصرة، فنحن نذكر الأجوبة عنه كذلك.

قولكم: "لابد من مرجِّح للفعل على الترك، أو بالعكس" مسلَّم، قولكم: "المرجِّح إن كان من العبد لزم التسلسل، وإن كان من الرب لزم الجَبْر" جوابه: ما المانع أن يكون من فعل العبد ولا يلزم التسلسل، بأن يكون مِن فعله على وجه لا يكون الترك ممكنًا له حينئذ، ولا يلزم من سَلْب الاختيار عنه في فعل (١) المرجِّح سَلْبه عنه مطلقًا.

ثم ما المانع أن يكون المرجِّح مِن فعل الله ولا يلزم الجَبْر، فإنكم إن عنيتم بالجبر أنه غير مختار للفعل، ولا مريد له؛ لم يلزم الجَبْر بهذا الاعتبار؛ لأن الرب تعالى جعل المرجِّح اختيار العبد ومشيئته، فانتفى الجَبْر، وإن عنيتم بالجبر أنه وُجِد لا بإيجاد العبد؛ لم يلزم الجَبْر أيضًا بهذا الاعتبار (٢)، وإن عنيتم أنه يجب عند وجود المرجِّح، وأنه لابدّ منه؛ فنحن لا ننفي الجَبْر بهذا الاعتبار، وتسمية ذلك "جبرًا" اصطلاح محض، وهو اصطلاح فاسد؛ فإن فعل الربّ سبحانه يجب عند وجود مرجِّحه التام، ولا يكون ذلك جبرًا بالنسبة إليه سبحانه.


(١) "م": "من فعل"، "ج": "وفعل".
(٢) من قوله: "وإن عنيتم بالجبر" إلى هنا ساقط من "د".