للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظلموا أنفسهم بإنكار الأسباب والقُوَى، وإنكار فعل العبد وقدرته، وأن يكون له تأثير في الفعل البتة، فلم تهتد القدرية بقول (١) هؤلاء، بل زادهم ضلالًا على ضلالهم، وتمسّكًا بما هم عليه.

وهذا شأن المبطل إذا دعا مبطلًا آخر إلى أن يترك مذهبه لقوله ومذهبه الباطل، كالنصراني إذا دعا اليهودي إلى التثليث وعبادة الصليب وأن المسيح إله تام غير مخلوق، إلى أمثال ذلك من الباطل الذي هو عليه.

وهذه المرتبة تستلزم أمرين:

أحدهما: فعل الرب تعالى وهو الهدى.

والثاني: فعل العبد وهو الاهتداء، وهو أثر فعله سبحانه، فهو الهادي والعبد المهتدي، قال تعالى: {مَن يَهْدِ اِللَّهُ فَهْوَ اَلْمُهْتَدِ} [الكهف: ١٧]، ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثّره التام، فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد.

ولهذا قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدَى مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧]، وهذا صريح في أن هذا الهدى ليس إليه - صلى الله عليه وسلم - ولو حرص عليه، ولا إلى أحد غير الله، وأن الله سبحانه إذا أضل عبدًا لم يكن لأحد سبيلٌ إلى هدايته، كما قال تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: ١٨٦]، وقال تعالى: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: ٣٩]، وقال تعالى: {(٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ


(١) "د": "فلم يهتدوا بقول".