للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

قال ابن عبد البر (٢): وقالت طائفة: المراد بالفطرة في هذا الحديث الخِلْقة التي خُلِق عليها المولود من المعرفة بربّه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خِلْقة يعرف بها ربّه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد أنه خُلِق خِلْقة مخالفة لخِلْقة البهائم التي لا تصل بخَلْقها (٣) إلى معرفته.

قالوا: والفاطر هو الخالق.

وأنكرت أن يكون المولود يُفطَر على إيمان أو كفر.

قال شيخنا: صاحب هذا القول إن أراد بالفطرة التمكّن من المعرفة والقدرة عليها؛ فهذا ضعيف؛ فإن مجرّد القدرة على ذلك لا يقتضي أن يكون حنيفًا، ولا أن يكون على الملّة، ولا يحتاج أن يُذْكَر تغييرُ أبويه لفطرته حين يُسأل عمن مات صغيرًا، ولأن القدرة في الكبير أكمل منها في الصغير.

وهو لمّا نهاهم عن قتل الصبيان فقالوا: إنهم أولاد المشركين؟ قال: «أَوَليس خياركم أولاد المشركين؟ ما من مولود إلا ويولد على الفطرة»، ولو أريد القدرة لكان البالغون كذلك، مع كونهم مشركين مستوجبين للقتل.

وإن أراد بالفطرة القدرة على المعرفة مع إرادتها؛ فالقدرة الكاملة مع الإرادة التامة تستلزم وجود المراد المقدور، فدلّ على أنهم فُطِروا على القدرة على المعرفة وإرادتها، وذلك مُسْتَلزِم للإيمان.


(١) انظر: «درء التعارض» (٨/ ٣٨٤ - ٣٨٥).
(٢) «التمهيد» (١٨/ ٦٨ - ٦٩)، «الاستذكار» (٣/ ١٠١).
(٣) «درء التعارض» ومصدره: «بخلقتها».