للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغيّروا قبوله، ولو تغيّر القبول وزال لم تقم عليه الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب، بل المراد أنّ كل مولود فإنه يولد على محبته لفاطره وإخلاصه له، وإقراره بربوبيته (١)، وإذعانه له بالعبودية، فلو خُلّي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره.

كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ويغذيه، وهذا من قوله تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠]، وقوله: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: ٢ - ٣]، فهو سبحانه خلق الحيوان مهتديًا إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره.

ثم هذا الحب والبغض يحصل فيه شيئًا فشيئًا بحسب حاجته.

ثم قد يعرض لكثير من الأبدان ما يفسد ما وُلِد عليه من الطبيعة السليمة والعادة الصحيحة.

فهكذا ما وُلِد عليه من الفطرة.

ولهذا شُبِّهت الفطرةُ باللبن، بل كانت إياه في التأويل للرؤيا.

ولما عُرِض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء اللبن والخمر: أخذ اللبن، فقيل له: «أخذتَ الفطرة، ولو أخذتَ الخمر لغوت أمتك»، فمناسبة اللبن لبدنه وصلاحه عليه دون غيره كمناسبة الفطرة لقلبه وصلاحه بها دون غيرها (٢).


(١) «د»: «وإقراره له بربوبيته» بدل: «وإخلاصه له، وإقراره بربوبيته»، والمثبت من «ت».
(٢) «د»: «غيره» تحريف.