للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصدره الحياء منهم وخوف أذاهم له وسقوطه من أعينهم، فهذا لا يعاقب عليه، بل قد يثاب عليه إذا كان له فيه غرض يحبه الله من حفظ مقام الدعوة إلى الله، وقبولهم منه ونحو ذلك.

وقد تنازع الناس في الترك: هل هو أمر وجودي أم عدمي؟ (١)

والأكثرون على أنه وجودي.

وقال أبو هاشم وأتباعه: هو عدمي، وإن المأمور يعاقَب على مجرد عدم الفعل، لا على ترك يقوم بقلبه.

وهؤلاء رتبوا الذم والعقاب على العدم المحض.

والأكثرون يقولون: إنما يثاب من ترك المحظور على ترك وجودي يقوم بنفسه، ويعاقَب تارك المأمور على ترك وجودي يقوم بنفسه، وهو امتناعه وكفّه نفسه عن فعل ما أُمِر به.

إذا تبين هذا؛ فالحسنات التي يثاب عليها كلها وجودية، فهو سبحانه الذي حبّب الإيمان والطاعة إلى العبد، وزيّنه في قلبه، وكرّه إليه أضدادها.

وأما السيئات فمنشؤها من الجهل والظلم؛ فإن العبد لا يفعل القبيح إلا لعدم علمه بكونه قبيحًا، أو لهواه وشهوته مع علمه بقبحه، فالأول جهل والثاني ظلم، ولا يترك حسنة إلا لجهله بكونها حسنة، أو لرغبته في ضدها لموافقته هواه وغرضه.

وفي الحقيقة فالسيئات كلها ترجع إلى الجهل، وإلا فلو كان علمه تامًّا


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٢٨١ - ٢٩٤).