للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعله؟

ثم سلك كل طائفة في هذا المقام واديًا وطريقًا.

فسلكت الجبرية وادي الجَبْر وطريق المشيئة المحضة التي تُرَجِّح مِثْلًا على مِثْل من غير اعتبار علة، ولا غاية، ولا حكمة.

قالوا: وكل ممكن عدل، والظلم هو الممتنع لذاته، فلو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لكان متصرفًا في ملكه، والظلم تصرف القادر في غير ملكه، وذلك مستحيل عليه سبحانه.

قالوا: ولما كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة لم تكن الأعمال سببًا للنجاة، فكانت رحمته للعباد هي المستقلة بنجاتهم لا أعمالهم، فكانت رحمته خيرًا من أعمالهم، وهؤلاء راعوا جانب المُلْك، وعطّلوا جانب الحمد، والله سبحانه له المُلْك وله الحمد.

وسلكت القدرية وادي العدل والحكمة، ولم يوفّوه حقه، وعطّلوا جانب التوحيد والمُلْك، وحاروا في هذا الحديث، ولم يدروا ما وجهه، وربما قابله كثير منهم بالتكذيب والردّ له، وأن الرسول لم يقل ذلك.

قالوا: وأيُّ ظلم يكون أعظم من تعذيب من استنفذ أوقات عمره كلّها، واستفرغ قواه في طاعته، وفعل ما يحبّه، ولم يعصه طرفة عين، وكان يعمل بأمره دائمًا، فكيف يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: إن تعذيب هذا يكون عدلًا لا ظلمًا؟!

قالوا: ولا يقال: إن حقّه عليهم وما ينبغي له أعظم من طاعاتهم، فلا تقع تلك الطاعات في مقابلة نعمه وحقوقه، فلو عذبهم لعذبهم بحقّه عليهم؛ لأنهم