للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمصلحته، ولا يفعله لعدم إرادته له؛ لما في فعله من فوات محبوب له، أو حصول مكروه إليه، فلا توجب القدرة والعلم وقوع الفعل ما لم تقارنهما الإرادة.

فصل

وأما قول الآخر: «إن كون النفس مريدة أمر ذاتي لها فلا يُعلّل ... » إلى آخره، كلام في غاية البطلان، فهب أنا لا نطلب علة كونها مريدة، فكونها كذلك هو أمرٌ مخلوق فيها أم غير مخلوق؟ وهي التي جعلت نفسها كذلك، أم فاطرها وخالقها هو الذي جعلها كذلك؟ وإذا كان سبحانه هو الذي أنشأها بجميع صفاتها وطبيعتها وهيأتها فكونها مريدة هو وصف لها، وخالقها خالق لأوصافها، فهو خالق لصفة المريديّة فيها، فإذا كانت تلك الصفة سببًا للفعل، وخالق السبب خالق للمسبَّب، فالمسبَّب واقع بقدرته ومشيئته وتكوينه، وهذا مما لا ينكره إلا مكابر معاند.

فصل

وأما قول الطائفة الأخرى: إن الله سبحانه خلق فيه إرادة صالحة للضدين، فاختار هو أحدهما على الآخر، فلا ريب أن الأمر كذلك، ولكن وقوع أحد الضدين باختياره وإيثاره له وداعيته إليه لا يخرجه عن كونه مخلوقًا للربّ تعالى، مقدورًا له، مقدّرًا على العبد، واقعًا بقضاء الربّ وقدره، وأنه لو شاء لصرف داعية العبد وإرادته عنه إلى ضده.

فهذه هي البقية التي بقيت على هذه الفرقة من إنكار القدر، فلو ضموها إلى قولهم لأصابوا كل الإصابة، ولكانوا أسعد بالحق في هذه المسألة من سائر الطوائف.