للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فما الفرق بين كون القدر خيرًا وشرًّا، وكونه حلوًا ومرًّا؟

قيل: الحلاوة والمرارة تعود إلى مباشرة الأسباب في العاجل، والخير والشر يرجع إلى حسن العاقبة وسوئها، فهو حلو ومرّ في مبدئه وأوله، وخير وشر في منتهاه وعاقبته.

وقد أجرى الله سبحانه سنته (١) وعادته أنّ حلاوة الأسباب في العاجل تعقب المرارةَ في الآجل، ومرارتَها تعقب الحلاوة، فحلو الدنيا مرّ الآخرة، ومرّ الدنيا حلو الآخرة.

وقد اقتضت حكمته سبحانه أنْ جعل اللذات تثمر الآلام، والآلام تثمر اللذات، والقضاء والقدر منتظم لذلك انتظامًا لا يخرج عنه (٢) شيء البتّة.

والشر مرجعه إلى الآلام وأسبابها، والخير مرجعه إلى (٣) اللذات وأسبابها، والخير المطلوب هو اللذات الدائمة، والشر المرهوب هو الآلام الدائمة، فأسباب هذه شرور وإن (٤) اشتملت على لذة ما، وأسباب تلك خيرات وإن اشتملت على ألم، فألم تعقبه (٥) اللذةُ الدائمةُ أولى بالإيثار والتحمّل من لذة يعقبها الألم الدائم، فلذة ساعة في جنب ألم طويل كلا لذة، وألم ساعة في جنب لذة طويلة كلا ألم.


(١) «م»: «سبَبَه» تصحيف.
(٢) زاد في «م»: «منه» سهو.
(٣) قوله: «الآلام وأسبابها، والخير مرجعه إلى» ساقط من «د».
(٤) «م»: «ولذة» تحريف.
(٥) «د» «ط»: «يعقب» وفي الموضع التالي: «تعقب»، تحريفان مفسدان للمعنى.