للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الإيمان بها، كما أصابهم معهم في مسألة (١) حدوث العالم، حيث أخبروهم أن الرسل أخبرت عن الله تعالى أنه لم يزل معطَّلًا عن الفعل، والفعل غير ممكن منه، ثم انقلب من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي عند ابتدائه بلا تجدّد سبب، ولا أمر قام بالفاعل، وقالوا: من لم يعتقد هذا فليس بمؤمن، ولا مصدِّق للرسل، فهذا في المبدأ، وذاك في المعاد.

ثم جاءت طائفة أخرى فطووا بساط الخلق والأمر جملة، وقالوا: كل هذا محال وتلبيس، وما ثَمّ وجودان، بل الوجود كله واحد، ليس هناك خالق ومخلوق، وربّ ومربوب، وطاعة ومعصية، وما الأمر إلا نَسَق (٢) واحد، والتفريق من أحكام الوهم والخيال، فالسماوات والأرض، والدنيا والآخرة، والأزل والأبد، والحسن والقبيح كله شيء واحد، وهو من عين واحدة، ثم استدركوا فقالوا: لا بل هو العين الواحدة.

ونشأ الناس ــ إلا من شاء الله ــ بين هؤلاء الطوائف الأربع، لا يعرفون سوى أقوالهم ومذاهبهم، فعظمت البليّة، واشتدت المصيبة، وصار أذكياءُ العالم زنادقةَ الناس، وأدناهم إلى الخلاص أهلُ البَلادة والبَلَه، والعقل والسمع عن هذه الفرق بمعزل، ومنازلهم منهما أبعد منزل.

فنقول والله المستعان، وعليه التكلان، وبيده التوفيق (٣):

قد دلَّ القرآن والسنة والفطرة وأدلة العقول أنه سبحانه خلق السماوات


(١) «د»: «أصابهم تعميم في باب مسألة» دون إعجام.
(٢) «د»: «فسق»، «م»: «فتق»، كلاهما تحريف، انظر: «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٦٦).
(٣) «د»: «فنقول وبالله والتوفيق، والله المستعان، وعليه التكلان».