للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربما تمسكوا بظاهر من القول لم يضعوه على مواضعه، ولم يجمعوا بينه وبين أدلة العدل والحكمة، وتعليق الأمور بأسبابها، وترتيبها عليها، وآيات الموازنة والمقابلة، وأخطؤوا في فهم القرآن كما أخطؤوا في وصف الربّ بما لا يليق به، وفي التجويز عليه بما لا يجوز عليه.

وقابلهم مثبتو الأسباب والحِكَم من القدرية، وزعموا أنهم يتخلصون من قبيح هذا القول بما أثبتوه من الحكمة والتعليل، ولكن وقعوا في نظيره أو ما هو شر منه، حيث أوجبوا على الله سبحانه تخليد من أفنى عمره في طاعته، ثم ارتكب كبيرة واحدة ومات مُصِرًّا عليها في النار مع أعدائه الكفار أبد الآباد، ولم يرقبوا له طاعة، ولم يرعوا له إسلامًا.

وهم في هذا المذهب شرٌّ قولًا من إخوانهم الجبرية؛ فإن أولئك لم يوجبوا على الله ذلك الحُكْم، وإنما جوّزوه عليه، وجوّزوا أن لا يفعله، وهؤلاء أوجبوا عليه تخليد أهل الكبائر مع الكفار، ولم يجوّزوا عليه إخراجهم منها، وأصابهم في غلطهم على القرآن والسنة، وما يجوز على الرب وما لا يجوز عليه= ما أصاب إخوانهم من الجبرية.

ولمّا ظنَّ غيرهم من أهل النظر والبحث أن هذا هو المعاد الذي أخبرت به الرسل، وعلموا أن هذا منافٍ للحكمة والرحمة والعدل والمصلحة= قالوا: إن ذلك تخويف وتخييل لا حقيقة له، يَزَعُ النفوس السَّبْعِية والبهيمية عن عدوانها وشهواتها، فتقوم بذلك مصلحة الوجود.

وكان من أكبر أسباب إلحاد هؤلاء وكفرهم بالله واليوم الآخر نسبةُ أولئك مذاهبَهُم الباطلة وأقوالهم الفاسدة إلى الرسل، وإخبارَهُم أنهم دعوا