للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

وإن كان المراد بهذا القول ما قاله طائفة من العلماء: إن المراد أنهم وُلِدوا على الفطرة السليمة، التي لو تُرِكت مع صحتها لاختارت المعرفة على الإنكار، والإيمان على الكفر، ولكن بما عَرَض لها من الفساد خرجت عن هذه الفطرة= فهذا القول قد يقال: لا يَرِدُ عليه ما يَرِدُ على القول الذي قبله؛ فإن صاحبه يقول: في الفطرة قوة تميل بها إلى المعرفة والإيمان، كما في البدن السليم قوة يحب بها (٢) الأغذية النافعة، وبهذا كانت محمودة، وذُمّ من أفسدها.

لكن يقال: فهذه الفطرة التي فيها هذه القوة والقبول والاستعداد والصلاحية: هل هي كافية في حصول المعرفة، أو تقف المعرفة على أدلة من خارج؟

فإن كانت المعرفة تقف على أدلة من خارج أمكن أن توجد تارة وتعدم أخرى. ثم ذلك السبب الخارج يمتنع أن يكون موجِبًا للمعرفة بنفسه، بل غايته أن يكون مُعَرِّفًا ومُذَكِّرًا، فعند ذلك إن وجب حصول المعرفة كانت واجبة الحصول عند وجود تلك الأسباب، وإلا فلا.

وحينئذ فلا يكون فيها إلا قبول المعرفة والإيمان، وحينئذ فلا فرق فيها بين الإيمان والكفر، والمعرفة والإنكار، إنما فيها قوة قابلة لكل منهما واستعداد له، لكن يتوقف على المؤثِّر الفاعل من خارج، وهذا هو القسم


(١) انظر: «درء التعارض» (٨/ ٤٤٥ - ٤٥٠).
(٢) «د»: «بها إلى».