للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ما أبكاه.

وكذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: ٢٢]، وقوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ١١]، فالتسيير فعله حقيقة، والسير فعل العبد حقيقة، فالتسيير فعل محض، والسير فعل وانفعال.

ومن هذا قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧]، فهو سبحانه المزوِّج ورسوله المتزوِّج.

وكذلك قوله: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: ٥٤]، فهو المزوِّج وهم المتزوجون.

وقد جمع سبحانه بين الأمرين في قوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، فالإزاغة فعله، والزيغ فعلهم.

فإن قيل: أنتم قررتم أنه لم يقع منهم الفعل إلا بعد فعله، وأنه لولا إنطاقه لهم وإضحاكه وإبكاؤه لما نطقوا وما ضحكوا ولا بكوا، وقد دلت هذه الآية على أن فعله بعد فعلهم، وأنه أزاغ قلوبهم بعد أن زاغوا، وهذا يدل على أن إزاغة قلوبهم هو حكمه عليها بالزيغ، لا جعْلها زائغة، وكذلك قوله: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت: ٢١]، المراد به: جعل لنا آلة النطق، وأضحك وأبكى: جعل لهم آلة الضحك والبكاء.

قيل: أما الإزاغة المترتبة على زيغهم فهي إزاغة أخرى غير الإزاغة التي زاغوا بها أولًا؛ عقوبة لهم على زيغهم، والربّ تعالى يعاقب على السيئة بمثلها، كما يثيب على الحسنة بمثلها، فَحَدَثَ لهم منها زيغ آخر غير الزيغ الأول، فهم زاغوا أولًا فجازاهم الله بإزاغة فوق زيغهم، فأحْدَثَتْ لهم تلك