للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإزاغة زيغًا فوق زيغهم.

فإن قيل: فالزيغ الأول من فعلهم، وهو مخلوق لله فيهم على غير وجه الجزاء، وإلا تسلسل الأمر.

قيل: بل الزيغ الأول وقع جزاءً لهم وعقوبة (١) على تركهم الإيمان والتصديق لمّا جاءهم الهدى (٢)، وهذا الترك أمر عدمي لا يستدعي فاعلًا؛ فإن تأثير الفاعل إنما هو في الوجود لا في العدم.

فإن قيل: فهذا الترك العدمي له سبب، أو لا سبب له؟

قيل: سببه عدم سبب ضده، فبقي على العدم الأصلي.

ويشبه هذا قوله سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: ١٩]، عاقبهم على نسيانهم له بأن أنساهم أنفسهم، فنسوا مصالحها أن يفعلوها، وعيوبها أن يصلحوها، وحظوظها أن يتناولوها، ومن أعظم مصالحها وأنفع حظوظها ذِكْرها لربّها وفاطرها، ومَن لا نعيم لها ولا سرور ولا فلاح ولا صلاح إلا بذكره وحبه وطاعته، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، فأنساهم ذلك لمّا نسوه، وأحدث لهم هذا النسيان نسيانًا آخر.

وهذا ضد حال الذين ذكروه ولم ينسوه، فذكّرهم مصالح نفوسهم ففعلوها، ووقفهم على عيوبها فأصلحوها، وعَرّفهم حظوظها العالية فبادروا إليها.


(١) "د": "عقوبة لهم".
(٢) "ج": "لمَا جاءهم من الهدى".