للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجازى أولئك على نسيانهم بأن أنساهم الإيمان به ومحبته وذكره وشكره، فلما خلت قلوبهم من ذلك لم تجد عن ضدّه محيصًا.

وهذا يبيّن لك كمال عدله سبحانه في تقدير الكفر والذنوب عليها.

وإذا كان قضاؤه عليها بالكفر والذنوب عدلًا منه فيها؛ فقضاؤه عليها بالعقوبة أعدل وأعدل، فهو سبحانه ماضٍ في عبده حكمُه، عَدْلٌ فيه قضاؤُه، وله فيها قضاءان: قضاء السبب، وقضاء المُسبَّب، وكلاهما عدل فيه؛ فإنه لما ترك ذكره، وترك فعل ما يحبه؛ عاقبه بنسيان نفسه، فأحدث له هذا النسيان ارتكاب ما يبغضه ويسخطه بقضائه الذي هو عدل، فترتب له على هذا الفعل والترك عقوبات وآلام لم يكن له منها بُدّ، بل هي مترتبة عليه ترتب المُسبَّبات على أسبابها، فهي عدل محض من الربّ تعالى، فعَدَل في العبد أولًا وآخرًا.

وهو محسن في عدله، محبوبٌ عليه، محمود فيه، يحمده من عدل فيه طوعًا وكرهًا.

قال الحسن: "لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم، ما وجدوا عليه سبيلًا" (١).

وسنزيد هذا الموضع بسطًا وبيانًا في باب دخول الشر في القضاء الإلهي، إن شاء الله (٢).

إذ المقصود ههنا بيان كون العبد فاعلًا مُنفعِلًا، والفرق في هذا الباب


(١) لم أقف عليه، وسيورده المؤلف لاحقًا، وقد أورده في غير واحد من مصنفاته، انظر: "حادي الأرواح" (٢/ ٧٩٠)، "الفوائد" (٢٣٧)، "روضة المحبين" (١٠١).
(٢) (٢/ ٨١).