للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن قتيبة: "أمم أمثالنا في طلب الغذاء، وابتغاء الرزق، وتوقّي المهالك" (١).

وقال سفيان بن عيينة: "ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوّس كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام الطيب عافته، فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه، فكذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها، وإن أخطأ رجل تروّاه وحفظه" (٢).

قال الخطابي: "ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية، واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعًا لظاهره، وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله تعالى عن وجود المماثلة بيننا وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة، وعدم من جهة المنطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفًا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق، وإذا كان الأمر كذلك فاعلم أنك إنما تعاشر البهائم والسباع، فليكن حذرك منهم ومباعدتك إياهم على حسب ذلك" (٣)، انتهى كلامه.

والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوبًا محتالًا، وبعضها متوكّلًا غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتكل على الثقة


(١) بنحوه في "تأويل مشكل القرآن" (٤٤٥).
(٢) رواه الخطابي في "العزلة" (٥٥)، ومن طريقه الواحدي في "البسيط" (٨/ ١١٧).
(٣) "العزلة" (٥٥).