للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]، هو خطاب له، وجميع الأمة داخلون في ذلك بطريق الأولى، بخلاف قوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} فإن هذا له خاصة.

قالوا: وهذه الشرطية لا تستلزم الوقوع، بل تربط الجزاء بالشرط، وأما وقوع الشرط والجزاء فلا تدل عليه، فهو مقدّر في حقه، محقّق في حق غيره، والله أعلم.

قال القدري: إذا كانت الطاعات والمعاصي مقدّرة، والنعم والمصائب مقدّرة؛ فلِمَ فرّق سبحانه بين الحسنات التي هي النعم، والسيئات التي هي المصائب، فجعل هذه منه سبحانه، وهذه من نفس الإنسان، والجميع مقدَّر؟ (١).

قال السني: بينهما فروق:

الفرق الأول: أن نعم الله وإحسانه إلى عباده يقع بلا كسب منهم أصلًا، بل الرب تعالى يُنعِم عليهم بالعافية والرزق والنصر وإرسال الرسل وإنزال الكتب وأسباب الهداية، فيفعل ذلك بمن لم يكن منه سبب يقتضيه، ويُنشِئ للجنة في الآخرة خلقًا يُسكنهم إيّاها بغير سبب منهم، ويُدخِل أطفال المؤمنين ومجانينهم الجنة بلا عمل، وأما العقاب فلا يعاقِب أحدًا إلا بعمله.

الفرق الثاني: أن عمل الحسنات من إحسان الله ومنّه، وتفضّله عليه بالهداية والإيمان، كما قال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، فخلْقُ الربّ تعالى لهم الحياةَ


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٢٥٩ - ٢٦٦).