والسمعَ والبصرَ والعقولَ والأفئدةَ، وإرسالَ الرسل، وتبليغَهم البلاغ الذي اهتدوا به، وإلهامَهم الإيمان، وتحبيبَه إليهم، وتزيينَه في قلوبهم، وتكريهَ ضده إليهم= كلُّ ذلك من نعمه، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: ٧ - ٨].
فجميع ما يتقلّب فيه العالم من خير الدنيا والآخرة هو نعمة محضة بلا سبب سابق يوجب ذلك لهم، ومن غير حول ولا قوة منهم إلا به، وهو خالق نفوسهم، وخالق أعمالها الصالحة، وخالق جزائها، وهذا كله منه سبحانه، بخلاف الشر؛ فإنه لا يكون إلا بذنوب العبد، وذنبُهُ من نفسه.
وإذا تدبر العبد هذا علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله؛ فشكر ربّه على ذلك؛ فزاده من فضله عملًا صالحًا، ونعمًا يفيضها عليه، وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه وبذنوبه استغفر ربّه وتاب، فزال عنه سبب الشر، فيكون دائمًا شاكرًا مستغفرًا، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشر يندفع عنه.
كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته:«الحمد لله» فيشكر الله، ثم يقول:«نستعينه ونستغفره» نستعينه على طاعته، ونستغفره من معصيته، ونحمده على فضله وإحسانه، ثم قال:«ونعوذ بالله من شرور أنفسنا» لمّا استغفره من الذنوب الماضية استعاذ به من الذنوب التي لم تقع بعد، ثم قال:«ومن سيئات أعمالنا» فهذه استعاذة من عقوبتها كما تقدم، ثم قال:«من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له» فهذه شهادة للربّ تعالى بأنه المتصرّف في خلقه بمشيئته وقدرته وحكمته وعلمه، وأنه يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء، فإذا هدى عبدًا لم يضله أحد، وإذا أضله لم يهده أحد، وفي