للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك إثبات ربوبيته وقدرته، وعلمه، وحكمته، وقضائه، وقدره الذي هو عقد نظام التوحيد وأساسه، وكل هذا مقدمة بين يدي قوله: «وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» (١)، فإن الشهادتين إنما تتحقق بحمد الله، واستعانته، واستغفاره، واللجأ إليه، والإيمان بأقداره.

والمقصود: أنه سبحانه فرّق بين الحسنات والسيئات بعد أن جمع بينهما في قوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: ٧٨]، فجمع بينهما الجمع الذي لا يتم الإيمان إلا به، وهو اجتماعهما في قضائه وقدره ومشيئته وخلقه، ثم فرق بينهما الفرق الذي ينتفعون به، وهو أن هذا الخير والحسنة نعمة منه، فاشكروه عليه يزدكم من فضله ونعمه، وهذا الشر والسيئة بذنوبكم، فاستغفروه يرفعه عنكم، وأصله من شرور أنفسكم، فاستعيذوا به يخلصكم منها، ولا يتم ذلك إلا بالإيمان بأنه وحده هو الذي يهدي ويضل، وهو الإيمان بالقدر، فادخلوا عليه من بابه؛ فإن أزمّة الأمور بيديه، فإذا فعلتم ذلك صدَق منكم (٢) شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

فهذه الخطبة العظيمة عقد نظام الإسلام والإيمان، فلو اقتصر لهم على الجمع دون الفرق أعرض العاصي والمذنب عن ذم نفسه والتوبة من ذنوبه، والاستعاذة من شرها، وقام في قلبه شاهد الاحتجاج على ربّه بالقدر، وتلك حجة داحضة تبع الأشقياء فيها إبليس، وهي لا تزيد صاحبها إلا شقاء وعذابًا، كما زادت إبليس بُعدًا وطردًا عن ربّه، وكما زادت المشركين ضلالًا وشقاء حتى قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: ١٤٨]، وكما تزيد


(١) تقدم تخريجه في (١/ ٢٧٩).
(٢) «منكم» من «ج».