الذي يقول يوم القيامة:{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر: ٥٧] حسرةً وعذابًا.
ولو اقتصر لهم على الفرق دون الجمع لغابوا به عن التوحيد والإيمان بالقدر، واللّجَأ إلى الله في الهداية والتوفيق، والاستعاذة به من شرّ النفس وسيئات العمل، والافتقار التام إلى إعانته وفضله، فكان في الجمع والفرق بيان حق العبودية، وسيأتي تمام الكلام على هذا الموضع العظيم القدر ــ إن شاء الله ــ في باب اجتماع القدر والشرع وافتراقهما (١).
الفرق الثالث: أن الحسنة يضاعفها الله سبحانه وينمّيها، ويكتبها للعبد بأدنى سعي، ويثيب على الهمّ بها، والسيئة لا يؤاخذ على الهمّ بها، ولا يضاعفها، ويبطلها بالتوبة، والحسنة الماحية، والمصائب المكفّرة، فكانت الحسنة أولى بالإضافة إليه، والسيئة أولى بالإضافة إلى النفس.
الفرق الرابع: أن الحسنة التي هي الطاعة والنعمة يحبها ويرضاها، فهو سبحانه يحب أن يطاع، ويحب أن يُنعِم ويُحسِن ويجود، وإنْ قدّر المعصية وأراد المنع، فالطاعة أحب إليه، والبذل والعطاء آثر عنده، فكان إضافة نوعي الحسنة إليه، وإضافة نوعي السيئة إلى النفس أولى.
ولهذا تأدّب العارفون من عباد الله بهذا الأدب، فأضافوا إليه النعم والخيرات، وأضافوا الشرور إلى محلها، كما قال إمام الحنفاء: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهْوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهْوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٧٨ - ٨٠]، فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وقال الخضر: {أَمَّا