للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليثني بها عليهم هو وملائكته، وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور، وإن كانت مُرّة المبادئ فلا أحلى من عواقبها، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع.

وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأنّ كمال الغايات تابع لقوة أسبابها وكمالها، ونقصانها لنقصانها، فمَنْ كمل له أسباب النعيم واللذة كملت له غاياتها، ومَنْ حُرِمها حُرِمها، ومَنْ نقصها نقص له من غاياتها، وعلى هذا قام الجزاء بالقسط والثواب والعقاب، وكفى بهذا العالم شاهدًا لذلك، فربُّ الدنيا والآخرة واحد، وحكمته مطردة فيهما {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٧٠].

يوضحه الوجه الرابع والثلاثون: وهو أنّ أفضلَ العطاء وأجلّه على الإطلاقِ الإيمانُ وجزاؤه، وهو لا يتحقق إلا بالامتحان والاختبار، قال الله تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهْوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: ١ - ٦].

فذكر سبحانه في هذه السورة أنه لا بُدَّ أن يمتحن خلقه ويفتنهم؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، ومَن يشكره ويعبده ممّن يكفره ويعرض عنه ويعبد غيره.

وذَكَر أحوالَ الممتحَنين في العاجل والآجل، وذَكَر أئمةَ الممتحَنين في الدنيا وهم الرسل وأتباعهم، وعاقبة أمرهم وما صاروا إليه، ثم ذَكَر