للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الممتحَنين من أعدائهم ومكذّبيهم، وما صاروا إليه (١).

فافتتح السورة بالإنكار على مَنْ يحسب أنه يتخلّص من الامتحان والفتنة في هذه الدار إذا ادعى الإيمان، وأن حكمته سبحانه ومشيئته في خلقه تأبى ذلك، وأخبر عن سر هذه الفتنة والمحنة وهو تبيّن الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، وهو سبحانه كان يعلم ذلك قبل وقوعه، ولكن اقتضى عدله وحمده أنه لا يجزي العبادَ بمجرد علمه فيهم، بل بمعلومه إذا وُجِد وتحقَّق، والفتنة هي التي أظهرته وأخرجته إلى الوجود، فحينئذ حَسُن وقوع الجزاء عليه.

ثم أنكر سبحانه على من لم يلتزم الإيمان به ومتابعة رسله ــ خوف الفتنة والمحنة التي يمتحن بها رسله وأتباعهم ــ ظنَّه وحسبانَه أنه بإعراضه عن الإيمان به وتصديق رسله يتخلّص من الفتنة والمحنة؛ فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق مما فرّ منه.

فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنت، وإما أن لا يقول، بل يستمر على السيئات.

فمن قال: آمنّا؛ امتحنه الرب تعالى وابتلاه؛ ليتحقق بالامتحان صحةُ إيمانه (٢) وثباتُهُ عليه، وأنه ليس بإيمان عافية ورخاء فقط، بل إيمانٌ ثابتٌ في حالتي النعماء والبلاء.

ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يُعْجِز ربَّه تعالى ويفوته، بل هو في قبضته،


(١) من قوله: «ثم ذكر الممتحنين» إلى هنا ساقط من «د».
(٢) «د»: «حجة إيمانه»، وفي «ط»: «بالإيمان» بدل «بالامتحان».