للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وناصيته بيده، فله من البلاء أعظم مما ابتُلِي به مَن قال: آمنت.

فمن آمن به وبرسله فلا بدّ أن يُبتلى من أعدائه وأعداء رسله بما يؤلمه ويشق عليه، ومن لم يؤمن به وبرسله فلابدّ أن يعاقبه، فيحصل له من الألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين.

فلا بدّ من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة، والكافر يحصل على اللذة والسرور ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.

وهكذا حال الذين يتبعون الشهوات فيلتذون بها ابتداء، ثم تعقبها الآلام بحسب ما نالوه منها، والذين يصبرون عنها يتألّمون بفقدها ابتداء، ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه وتركوه منها، فالألم واللذة أمر ضروري لكل إنسان، لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير، والآجل الدائم العظيم.

ولهذا كان خاصّة العقل النظر في العواقب والغايات، فمن ظنّ أنه يتخلّص من الألم بحيث لا يصيبه البتّة فظنه أكذب الحديث؛ فإن الإنسان خُلِق عُرضة للذة والألم، والسرور والحزن، والفرح والغم، وذلك من جهتين:

من جهة تركيبه وطبعه وهيئته؛ فإنه مركّب من أخلاط متعادية متضادة، يمتنع أو يعز اعتدالها من كل وجه، بل لابدّ أن يبغي بعضها على بعض، فتخرج عن حَدّ الاعتدال فيحصل الألم.

ومن جهة بني جنسه؛ فإنه مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده، بل لا