للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الطفل يتبع مالكه وسابِيهِ، فكذلك يتبع كافله وحاضنه؛ فإنه لا يستقل بنفسه، بل لا بدّ له ممن يتبعه ويكون معه، فتبعيّته لحاضنه وكافله أولى من جعله كافرًا بكون أبويه كافرين، وقد انقطعت تبعيّته لهما. بخلاف ما إذا كفله أهل دين الأبوين فإنهم يقومون مقامهما، ولا أثر لفقد الأبوين إذا كفله جده وجدته أو غيرهما من أقاربه.

فهذا القول أرجح في النظر، والله أعلم.

وليس المقصود ذكر هذه المسائل وما يصير به الطفل مسلمًا، فإنا قد استوفيناها في كتابنا في «أحكام أهل الملل» بأدلتها واختلاف العلماء من السلف والخلف فيها، وذِكْر مآخذهم، وإنما المقصود ذِكْر الفطرة، وأنها هي الحنيفية، وأنها لا تنافي القدر السابق بالشقاوة، والله أعلم.

فصل (١)

قال أبو عمر (٢): وقال آخرون في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة» لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر الفطرة ههنا كفرًا ولا إيمانًا ولا معرفة ولا إنكارًا، وإنما أراد أنّ كل مولود يولد على السلامة خِلْقة وطَبْعًا وبِنْية ليس معها كفر ولا إيمان، ولا معرفة ولا إنكار، ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميّز.

واحتجوا بقوله في الحديث: «كما تُنْتَج البهيمة بهيمة جَمْعاء» يعني: سالمة «هل تحسّون فيها من جَدْعاء» يعني: مقطوعة الأذن، فمَثَّل قلوب بني


(١) انظر: «درء التعارض» (٨/ ٤٤٢).
(٢) «التمهيد» (١٨/ ٦٩)، «الاستذكار» (٣/ ١٠١).