للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: ٢٢]، فالتسيير فعله، والسير فعل العباد، وهو أثر التسيير، وكذلك الهدى والإضلال فعله، والاهتداء والضلال أثر فعله، وهما أفعالنا القائمة بنا، فهو الهادي، والعبد المهتدي، وهو الذي يضل من يشاء، والعبد ضال، وهذا حقيقة وهذا حقيقة.

فالطائفتان عن الصراط المستقيم ناكبتان.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥]، فههنا أمران: تجنيب عبادتها، واجتنابه، فسأل الخليل ربه أن يجنّبه وبنيه عبادتها؛ ليحصل منهم اجتنابها، فالاجتناب فعلهم، والتجنيب فعله، ولا سبيل إلى فعلهم إلا بعد فعله.

ونظير ذلك قول يوسف الصديق: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٣ - ٣٤]، وصرف كيدهن هو صرف دواعي قلوبهن، ومكرهن بألسنتهن وأعمالهن، وتلك أفعال اختيارية، وهو سبحانه الصارف لها، فالصرف فعله، والانصراف أثر فعله، وهو فعل النسوة.

ومن ذلك قوله سبحانه لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {(٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا} [الإسراء: ٧٤]، فالتثبيت فعله سبحانه، والثبات فعل رسوله، فهو سبحانه المثبّت، وعبده الثابت.