للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإغراق الماء على كَلِيمه وقومِه، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها، وإن شاء خلّى بينها وبين اقتضائها لآثارها، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا، فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد، وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه!

ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تُحْرِق، والماء لا يُغرِق، والخبز لا يُشبِع، والسيف لا يقطع، ولا تأثير لشيء من ذلك البتّة، ولا هو سبب لهذا الأثر، وليس فيه قوة، وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا= قال (١): هذا هو التوحيد، وإفراد الربّ بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به، كما تراه عيانًا في كتبهم، ينفّرون به الناس عن الإيمان، ولا ريب أن الصديق الجاهل قد يضر ما لا يضره العدو العاقل.

وقد قال تعالى عن ذي القرنين: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤]، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «علمًا» (٢).

قال قتادة وابن زيد وابن جُرَيْج والضحاك: «علمًا يتسبّب به إلى ما يريد» (٣).

وكذلك قال أبو إسحاق: «علمًا يوصله إلى حيث يريد» (٤).


(١) كذا في «د» و «م»، وفي «ج»: «قالت»، والأشبه بالسياق: «قالوا».
(٢) أخرجه الطبري (١٥/ ٣٧١).
(٣) نسبه إليهم مكي في «الهداية» (٦/ ٤٤٤٩)، والواحدي في «البسيط» (١٤/ ١٣٠).
(٤) «معاني القرآن» (٣/ ٣٠٨).