للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة، ويكفي شهادة الحسِّ والعقل والفِطَر.

ولهذا قال مَن قال من أهل العلم: تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم (١). وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد، فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الربّ، ونعوت كماله، وعلوّه على خلقه، واستواءه على عرشه، وتكلّمَه بكتبه، وتكليمه لملائكته وعباده، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله، وتنزيهه عن كل كمال، ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل.

ونظير من نزَّه الله عن أفعاله، وأن يقوم به فِعْل البتّة، وظنّ أنه ينصر بذلك حدوث العالم، وكونَه مخلوقًا بعد أن لم يكن، وقد أنكر أصل الفعل والخلق جملة.

ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب، فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الربّ إلا بإبطال الأسباب ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به، وأنت لا تجد كتابًا من الكتب أعظم إثباتًا للأسباب من القرآن.

ويالله العجب! إذا كان الله خالق السبب والمسبَّب، وهو الذي جعل هذا سببًا لهذا، والأسباب والمسبَّبات طوع مشيئته وقدرته، منقادة لحكمه، إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها، كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم،


(١) حكى شيخ الإسلام هذه الجملة عن بعض الفضلاء كما في «مجموع الفتاوى» (٨/ ١٣٧).